و بشر الصابرين 4



ها نحن اليوم نختم بحول الله وحده خواطرنا حول ما ذكره العلامة ابن القيم عن الصبر فى القرآن، يقول رحمه الله:الحادى عشر :الإخبار منه تعالى بأن أهل الصبر هم أهل العزائم ،كقوله تعالى (و لمن صبر و غفر إن ذلك لمن عزم الأمور),وإن لم يكن أهل الصبر هم أهل العزائم الماضية فمن يكون ؟،قال المتنبى :
على قدر أهل العزم تأتى العزائم *** و تأتى على قدر الكرام المكارم
و تعظم فى عين الصغير صغارها *** و تصغر فى عين العظيم العظائم
هم حقا أهل الجلد على الدوام حتى فى أشد اللحظات قسوة ،ها هو عامر بن عبد الله وهو يجود بنفسه(يغالب الموت) يسمع المؤذن وكان منزله قريبا من المسجد ،فقال خذوا بيدى ،قيل له: إنك عليل. قال أسمع داعى الله و لا أجيبه؟ فأخذوا بيده فدخل فى صلاة المغرب فركع مع الإمام ركعة ثم مات ، لله در هؤلاء الرجال كانت لهم عزائم أمضى من الفولاذ و أرسخ من الجبال الرواسى، هذا عمر بعدما طعن يدخل عليه شاب يجر إزاره فنراه يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر حتى وهو فى سكرات الموت قائلا:يا ابن أخى ارفع إزارك فإنه أتقى لربك و أنقى لثوبك.
الثانى عشر :الإخبار أنه ما يلقى الأعمال الصالحة و جزاءها و الحظوظ العظيمة إلا أهل الصبر كقوله تعالى(ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا و لا يلقاها إلا الصابرون) أوليسوا هم من صمدوا أمام الملذات والشهوات،أو ليسوا هم من هجر الممنوعات والمحرمات، أو لم يكونوا هم من تحمل الفاقة و الحرمان فصمدوا و احتسبوا، و جاهدوا و صبروا فهم أحق البشرية بعظيم الأجر والمثوبة بخلاف من أذلت الدنيا أعناقهم، واستعبدتهم شهواتهم فلا وزن لهم عند جبار السماوات والأرض (يجىء الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة)و (ما من عبد يترك شيئا لله إلا عوضه الله خيرا منه)
قال الإمام محمد بن مهدى: والله لا تجد فقد شىء تركته ابتغاء وجه الله ،كنت و أخى شريكين فأصبنا مالا كثيرا فدخل قلبى من ذلك شىء(أى شككت فى أن هذا المال قد تشوبه شائبة من حرام ولو قليل) فتركته لله وخرجت منه، فما خرجت من الدنيا حتى رد الله ذلك المال عامته إلى و إلى ولدى :زوج أخى ثلاث بنات من بنى و زوجت ابنتى من ابنه ومات أخى فورثه أبى ومات أبى فورثته أنا فرجع ذلك كله إلى و إلى ولدى فى الدنيا.
الثالث عشر:الإخبار أنه إنما ينتفع بالآيات و العبر أهل الصبر كقوله تعالى لموسى (أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن فى ذلك لآيات لكل صبار شكور)و هنا أحب أن أتوجه بالحديث إلى الأحرار من شباب الثورة فى أوطاننا ،أى إخوانى لقد صبرنا وصمتنا مكرهين كالأسرى على ولاة أمر هم أقرب ما يكونون إلى الاحتلال الظلوم من أن يكونوا أهلنا و عشيرتنا ،قمعواالحريات و أسكتوا ألسنة الحق الطاهرة و أطلقوا العنان لأبواق العلمانية والليبرالية والشيوعية وهى جميعا مشارب جاهلية. ،حتى بلغت الوقاحة بأحدهم أن قال يمجد حزب الجبروت والمحادة لدين الله المسمى (البعث):
آمنت بالبعث ربا لا شريك له *****و بالعروبة دينا ما له ثانى                                     هذه الأحزاب والطوائف تبغى أن تنزع الهويةعن أمتنا العظيمة، التى وضعت أسس المدنية الحديثة عندما كان المسلمون حقا مسلمين ،يربطون الدنيا الدين بأوثق العرى وهل نبغ النابغون منها إلا منطلقين من إخلاصهم نياتهم فى تسخيرعلومهم الدنيوية لخدمة أمتهم و خدمة البشرية جمعاء.
أى إخوانى أحفاد هؤلاء الأماجد صبرا صبرا أسألكم بالله أن تعطوا حكوماتكم المؤقتة الفرصةلإثبات ذااتها ولا تنهالوا عليها بالمطالبات كالسيل الجارف،إذا كنا قد صبرنا فى مصر ثلاثين عاما على حكم البوليس الذى بلغ من تجبره أن بلغت نفقات النظام على جهاز الشرطة الذى يحميه فى عام1981 بلغت 300مليون جنيه،وفى1992 بلغت818مليون ،وفى 2002 بلغت ما يقرب من 3 مليار جنيه وفى 2010/2011بلغت 18 مليار جنيه من أموال البسطاء أفلا نصبر أياما قلائل حتى تكتمل المسيرة ويتم النصر بإذن الله.
فلم أر حيا صابروا مثل صبرنا **** ولا كافحوا مثل الذين نكافح
الرابع عشر: الإخبار بأن الفوز بالمطلوب المحبوب و النجاة من المكروه المرهوب ودخول الجنة إنما نالوه بالصبر كقوله تعالى (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) يتوجه الملائكة بالسلام والبشرى لأهل الصبر بأن ما أنتم فيه إنما هو بسبب صبركم فى الدنيا وثباتكم على الحق .
ذكروا أن منصور بن زاذان صلى الفجر بوضوء العشاء عشرين عاما، وروى مثل ذلك تقريبا عن الإمام أبى حنيفة وهذا الإمام الأعمش-من أعظم أئمة الحديث- يقول عنه صديقه وكيع:كان الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه أكثر من ستين سنة فما رأيته يقضى ركعة.
هم الرجال و غبن أن يقال لمن***** لم يتصف بمعالى وصفهم رجل
هؤلاء هم أهل الصبر الذين يستحقون البشارة جزاء ثباتهم على طاعة ربهم وإن انشغل معظم الناس بكنز المكانز وتشييد القصور لايهزهم صوت الأذان فيقومون إلى الصلاة .
أأخى إن من الرجال بهيمة**** فى صورة الرجل اللبيب المبصر
فطن بكل مصيبة فى ماله **** فإذا أصيب بدينه لم يشعر
هانت الدنيا فى نظر هؤلاء الأفذاذ فلم يبع أحدهم دينه ليربح الطغاة المستبدون دنياهم بلا رقيب من ضمير أو نصيحة من عالم مخلص ، فى حين أن المهمة الأصيلة لأهل العلم هى النصيحة
قال أحد الصالحين : ليس شىء قط أعز من العلماء ، الملوك حكام على الناس و العلماء حكام على الملوك ،ها هو أحد العلماء العاملين يصف أحد زعماء مصر فى القرن الماضى و الذى جعله يهجر وطنه و أهله بأنه "طاغوت مصر الذى أذل أحرار أبنائها" ، واستمع إلى أحد المنافقين يدخل علي نفس "الزعيم الملهم قائد القومية العربية" قائلا:
بشراى إن صلاح الدين قد عادا*** وأصبحت هذه الأيام أعيادا
أجمال مالك من بين الأنام  أخ  فى الشرق والغرب ممن ينطق الضادا
لو يعبد من بين الأنام فتى ***كنا لشخصك دون الناس عبادا
الخامس عشر: أنه يورث صاحبه درجة الإمامة ،سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: بالصبر و اليقين تنال الإمامة فى الدين ثم تلا قوله تعالى ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون)هذا الإمام الشافعى من أعظم أئمةهذا الأمة ومؤسس علم أصول الفقه ذاق الأمرين فى نشأته فى طلب العلم ،استمع إلى أقواله الحكيمة حيث يقول : لايطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح ، ولكن من طلبه بذل النفس و ضيق العيش و خدمة العلماء أفلح.
ويقول عن صبره وتماسكه : ما كذبت، وما حلفت بالله صادقا و لا كاذبا، و ما شبعت منذ عشرين سنة. و هل رفع قدر أحمد بن حنبل إلا صبره فى محنة القول بخلق القرآن فصبر و ثبت ثبات الجبال الشم حتى نصر الله به السنة و أعز به دينه فسمى بحق إمام أهل السنة و كان دائما يقول : إذا تكلم العالم تقية والجاهل يجهل متى يعرف الناس الحق ؟
و العجب من تباطؤ وتكاسل أهل الحق و عنفوان أهل الباطل هذه" جولدا مائير" تذكر فى مذكراتها أنها كانت تعمل لمدة ست عشرة ساعة يوميا حتى أنشأت مع بن جوريون دولة الظلم المسماة اسرائيل.
السادس عشر :اقترانه بمقامات الإسلام و الإيمان كما قرنه الله سبحانه باليقين و الإيمان و بالتقوى والتوكل و بالشكر و العمل الصالح و الرحمة لهذا كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له كما أنه لا جسد لمن لا رأس له ،و قال عمر رضى الله عنه :خير عيش أدركناه بالصبر.
أقول :لا شك أن الصبر ذو صلةوثيقة العرى بالأخلاق الفاضلة التى يتحلى بها تلقائيا من وهبه الله الصبر والمصابرةومنها :الحلم و حسن الخلق و سعة الصدر.
قيل للأحنف بن قيس - من حلماء العرب:ممن تعلمت الحلم وحسن الخلق ؟ قال: من خالى قيس بن عاصم المنقرى بينما هو جالس إذ جاءته جارية بسفود عليه شواء فسقط من يدها فوقع على طفل له كان عنده فمات، فذهلت الجارية ، فقال : لا روع عليك أنت حرة لوجه الله تعالى.
اللهم ارزقنا الصبر و المصابرة ،اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك و يذل فيه أهل معصيتك ، اللهم ائذن لشرعك أن يسود
و صلى الله وسلم على نبينا الكريم وعلى آله و صحبه وسلم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصيده شباب الاسلام

إني تذكرت والذكرى مؤرقةٌ ..للشاعر الكبير : محمود غنيم

التدخين رحلة إلى الهلاك