انحطاط الهمة (1)رسالة إلى كل مصرى غيور: ظاهرة التحرش وماذا حدث للمصريين؟؟....محاولة لتشخيص الداء ووصف الدواء:


(سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)

لا شك أن مصر الحبيبة رأس الأمة الإسلامية، و موضع القلب منها، و للبشرية اليوم بالنسبة لمصر نظرتان متناقضتان ؛ فتهفو نفوس المصلحين دومًا إلى أن يتبوأ هذا القطر مكانته المعهودة ، بينما لا تزال القوى المبغضة لنهضة الأمة من كبوتها تتطلع إلى انحطاط هذا البلد وانهياره، والحق الذى لا ينكره عاقل أن مكانة مصر المعهودة قد تراجعت كثيرا ، ونراها تنحدر إلى هاوية سحيقة لا يعلم غورها إلا الله فنراها فى حالة:
تصم السميع و تعمى البصير ***  و يُسأل من مثلها العافية
ومما يأسى له كل غيور، تفشى ظاهرة ما يسمى بالتحرش الجنسى؛ حتى أضحت مصر ذات مكانة متقدمة فى هذا المجال؛ فقد أثبتت بعض الدراسات أن مصر تحتل المرتبة الثانية عالميًا بعد أفغانستان فى التحرش الجنسى، و أن حوالى 64%من النساء يتعرضن للتحرش سواء بالفعل أو القول( النهار 4 سبتمبر2013). وهذا الكلام فى ظنى على عينة من المصريات و إن كان هناك تقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2013 :أنه فى أكبر بلد عربى من حيث عدد السكان 99.3% من نساء مصر تعرضن للتحرش بأى شكل من الأشكال.
الأمثلة على تفشى تلك الظاهرة لا تحصى؛ فقد تعرضت إحدى طالبات كلية الحقوق في جامعة القاهرة، للتحرش الجماعي في وسط الحرم الجامعي، وحاول المتحرشون تجريد الفتاة من ملابسها والاعتداء عليها، وألقى رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر نصار باللوم على الفتاة، وقال: "إنها دخلت الجامعة بعباءة لتخلعها فيما بعد وتظهر بلباس غير لائق".

تمة.تحرش عدد من الأشخاص بصحفية هولندية في ميدان التحرير فى 30 يونيو، فضلا عما وصلنا إليه من فضائح مع "مدرب الكاراتيه"، ووصولا إلى اغتصاب أب لابنته التى لم تتجاوز الرابعة من عمرها ،و اتهامه لعشيق زوجته بارتكاب الجريمة أى أن الجريمة متشابكة متراكبة،.... الخ تلك المهازل و لا حول و لا قوة إلا بالله.
فماذا حدث للمصريين؟ ومن المسئول عن تلك الظاهرة؟ و لماذا استفحلت عندنا دون غيرنا؟ و لماذا لا نرى تحرشا فى بلاد أوربية هى غاية فى التحرر و كذلك فى دول عربية كالإمارات و البحرين مع ما فيها من تغريب و حرية فى اللباس؟ و لماذا ندرت حالات التحرش  فى العهد الناصرى والذى كان الحجاب فيه قليلا؟ و ازداد التحرش فى عهد السادات مع تنامى صعود التيار الإسلامى و انتشار الحجاب، ومرورا بعهد مبارك واستشرى حتى صار كالوباء بعد الثورة؟؟؟ .
و الحق الذى لا مرية فيه أن التحرش أصبح ظاهرة عالمية ،و ليست محلية فقد أكدت صحيفة نيويورك تايمز أن التحرش في الشوارع هو واقع يومي للنساء في الهند.
 وقالت إميلي مايو المؤسس المشارك بإحدى الجمعيات المناهضة للتحرش ضد المرأة: إن التعرض للمضايقات بالشارع هو جزء من الحياة اليومية للفتيات بنيويورك، وكشفت دراسة مسحية أجريت على المجتمع البريطاني أن 4 سيدات من بين كل 10 سيدات يتعرضن للتحرش الجنسي في الأماكن العامة،و الملاحظ هو تنامى تلك الظاهرة فى بلدان " الربع العربى" مصرو ليبيا و تونس و هو ما يشير إلى ما انحدرنا إليه من فوضى و انفلات.

أقول إن أول ما تشير إليه أصابع الاتهام هو" التربية الخاطئة" الممنهجة - عمدا لا عفوية -و التى قصد  تنشئة الشعب المصرى عليها ،عبر عقود من الحكم المتسلط الذى قدم لرعيته أسوأ قدوة يحتذيها شبيبته ،عبر نهب خيراته، و تسطيح ثقافته و إلهائه بكل ما ينهك طاقته؛ من اللهاث وراء لقمة العيش ،ونشر ثقافة الانتهازية و المحسوبية و منح المكانة و السؤدد لكل من تثبت جدارته فى عالم اللصوصية و الفساد و إقصاء كل مصلح ...الخ مثالب العهود البائدة - لا أرانا الله مثلها.
ففى بلد يزيد تعداده عن تسعين مليونا  ولد ونشأ ما يزيد عن 70% منهم فى عهد مبارك -حسب الإحصائيات - و يعانى ملايين من أبنائه من البطالة و العنوسة(عدد العوانس 8 ملايين أى 40% من مجموع الفتيات فى سن الزواج) 
 وفى بلد لا يتجاوز نصيب البحث العلمى فيها 2,.% من إجمالى موازنة الدولة بينما ينفق بسخاء على أفلام تروج للشذوذ و تربى أجيالنا من العطشى إلى الجنس و المخدرات، وفى بلد كان يصدر العباقرة و الأدباء للدنيا فصار جلّ من يتخرج من جامعاته أقرب للأميين منهم إلى المثقفين، فقد ذكرت بعض الدراسات ان اللغة العربية تنحدر بصورة رهيبة لو استمرت علي حالها فقد تنقرض خلال مئة عام و الله المستعان، وأوضح تقرير التنافسية العالمية لعام «2013 -2014»، الذى يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي سنويا حول أهمية الابتكار وقوة البيئات المؤسسية، أن مصر حلت في المرتبة الأخيرة بين الدول في جودة التعليم الأساسي؛ فليس عجيبا أن نرى  أجيالا تلهث  وراء الشهوات و تستأسرها النزوات.
 إن الشباب و الفراغ و الجدة *** مفسدة للمرء أى مفسدة 
، و رحم الله القائل :نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
 و تبرز لدينا أيضا معضلة الفهم القاصر للتدين على أنه الإكثار من الصلوات والصيام مع إهمال جهاد المرء لنفسه ومع انحطاط أخلاقه و دناءة طبعه، مع أن التقوى الحقة تتجلى ههنا فى صمود المسلم أمام النزوات قال أبو العلاء:
 سبح وصل وطف بمكة زائراً *** سبعين لا سبعاً فلست بناسك
جهل الديانة من إذا عرضت له *** أطماعه، لم يلف بالمتماسك

فالعجب كل العجب من المتدين ذى سىء الخلق وهما ضدان لا يجتمعان و خصمان لا يلتقيان. لشد ما شعرت بالقرف و الاشمئزاز ممن يطلق على نفسه داعية (و هو بالحقيقة مخرف فاسد) ينسب إلى السلفية زورا ؛يبيح القبلات و المشاهد الجنسية فى الأفلام و إلى الله تعالى المشتكى وحده.أما من يدعى زورا أن انتشار الحجاب و التدين منذ عهد السادات تزامن مع الانفلات الخلقى و التحرش فماأبطل كلامه و ما أكذب ادعائه لأن الواضح لكل ذى عين باصرة أن الدنيا قد انفتحت على الناس؛ فصار المرء حرا فى أن يتدين أو ينحرف، فهل البلدان التى لم ينتشر فيها التيار الدينى فى ذاك الوقت كانت (يوتوبيا) أومدينة فاضلة؟ لا يجسر إنسان أن يدعى هذا، فالمشاهد فى بلاد الغرب أن الزنا(وبالأخص زنا المحارم) و الشذوذ و الدعارة أضعاف ما لدينا نحن المسلمين.

أمن العقوبة سبيل إلى انفلات الأخلاق :

ليت شعرى هل كل الناس ملائكة أو أشباه ملائكة يتمثلون بقول الشاعر الأصيل:
وأغض طرفي مابدت لي جارتي .. حتى يواري جارتي مأواها
لقد جعل ربنا - جل وعلا - الحدود و العقوبات زواجر و روادع، لكل من تسول له نفسه الاعتداء على حقوق الآخرين، فقامت الشريعة الغراء على حفظ الكليات الخمس: النفس و العقل و المال و الدين و النسل(العرض) ؛ولأن النفوس ضعيفة و قليل من بنى آدم من ينصب من نفسه  لنفسه واعظا  فيزجرها عما حرم الله ،فلكل ما سبق كان لابد من عقوبة زاجرة لمن تسول له نفسه اقتراف المحارم فيما يخص الآخرين قال سيدنا عثمان : إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.و قالوا : من أمن العقوبة أساء الأدب ، ولأن الحرية المطلقة = مفسدة مطلقة ،فهذا ما يفسر لنا لماذا تندر حالات التحرش و التعدى على الحرمات فى وسط الحمآت الآسنة من المجتمعات التى تغرق فى الدعارة و حرية الملبس، لأن العقوبات صارمة وجد مؤلمة ؛عندما لا يردع الإنسان ضميره ودينه حتما يرعوى خوف العقاب :إذا تلفظ بعبارة خارجة أو خالف تعليمات المرور ،إذا ألقى القمامة فى غير موضع رميها تنتظره عقوبة مالية فادحة أو بدنية قاسية ، وهذا ما أحسد عليه بلادا مثل السعودية و الإمارات و قطر .

روشتة العلاج:

وكما شخصنا الداء فلابد من وصف الدواء، ولعمر الله ليس لهذه الأمة من صلاح إلا بعودتها للمنهج الذى كرمها به رب البرية، و لا تزال عنه فى إعراض :الإيمان أولا بالتنشئة القويمة للغرس الطيب الذى نأمل ان يكون على يديه نهضة مصرنا الحبيبة
ها هو الصحابي الجليل جندب بن عبد الله يصف الطريقة التي رباهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاير - أي في قمة الفتوة- فتعلمنا الإيمان قبل القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً.نعم الإيمان الذى يتعمق فى القلوب فيسارع الفتى إلى غض بصره ،و إلى أداء الأمانة ،و إلى فعل الخيرات ،على تنوع وجوهها، وترك المنكرات و إن كانت مغرية أيّ إغراء .
فإذا فشلت التربية مع فئة - وهذا متحقق الوقوع - فى كل زمن و كل موطن بلاشك، فلا مناص من قوانين صارمة تزجر كل منحرف، و لا أرى للبشر مصلحا خيرا من قوانين رب البشرالذى خلقهم وهو أعلم بما يصلحهم يقينا، و التى يسخر منها دعاة العلمانية المتطرفة لدينا، على حين امتدحها أكابر المشرعين الغربيين فى تفردها و تميزها عن القوانين الرومانية و اليونانية؛ فقدأكد برنارد شو أن قلب التوجه العالمي سينتقل في القرون المقبلة من الغرب إلى الشرق، وأكد أن الشريعة الإسلامية ستصبح المدونة الوحيدة للحياة قادرة على تجديد وجهة وضبط حياة الإنسان على الأرض في أي مسار مستقبلي.
 و قد  أعدت دراسات في الفقه المقارن تحلل  أثر الفقه المالكي في بعض التشريعات الأجنبية خاصة مدونة الفقه المدني المعروفة بمدونة نابليون وقد اقتبس الكثير من فقه الإمام مالك رحمه الله خاصة في مادة الأحكام والعقود والالتزامات .
الله تعالى أسأل أن يبصرنا بعيوبنا ،و أن يهييء لهذه الأمة من يصلح الله على يديه أمر دينها و دنياها، إنه خير مسئول و مأمول.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصيده شباب الاسلام

إني تذكرت والذكرى مؤرقةٌ ..للشاعر الكبير : محمود غنيم

التدخين رحلة إلى الهلاك