أخلاق المصريين إلى أين (1)

 رأينا من جميل أخلاق المصريين أثناء ثورتنا المباركة و بعدها ما بلغ فى نظر العالم شأوا بالغا فى تفانيهم و إخلاصهم لبلدهم و  لمبادىء ثورتهم. رأينا البذل و الإيثار ، و التضحية ومكارم الأخلاق التى  ليست جديدة على هذا الشعب الطيب، ثم لم تلبث تلكم الصورة الجميلة أن لطختها أيدى الأشقياء الذين لايريدون الخير لهذا البلد العظيم ،و الذى كانت ثورته و لاتزال محط أنظار العالم واهتمامه؛ فلمصر أهمية لا تخفى، فهى قائدة الأمة العربية و الاسلامية ، انظر ما قال عنها العلامة / جمال حمدان
هى فى الصحراء و ليست  منها ، إنها واحة ضد صحراوية بل ليست بواحة         و إنما شبه واحة هى.
فرعونية هى بالجد ، ولكنها عربية بالأب .. وهى بجسمها النحيل تبدو مخلوقا أقل من قوى، و لكنها برسالتها التاريخية الطموح تحمل رأسا أكثر من ضخم . و هى بموقعها على خط التقسيم التاريخى بين الشرق و الغرب تقع فى الأول و لكنها تواجه الثانى و تكاد تراه عبر المتوسط كما تمد يدا نحو الشمال و أخرى نحو الجنوب ، و هى توشك بعد هذا كله أن تكون مركزا مشتركا لثلاث دوائر مختلفة بحيث صارت مجمعا لعوالم شتى ، فهى قلب العالم العربى وواسطة العالم الإسلامى و حجر الزاوية فى العالم الإفريقى.
فأين ذهبت أخلاقنا المعهودة فلم نعد نرى ونسمع سوى البذىء من القول و لم يكن نبينا فاحشا ولا بذيئا فهو القائل (ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش و لابذىء)
وعن  الْبَرَاءُ  أنه قال:{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنُهُمْ خُلُقًا } .رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ.و سأحاول بعون الله و توفيقه أن ألقى الضوء على بعض تلك السلوكيات و الأخلاقيات التى تدهورت ،لعل الله تعالى أن يرزقنا جميعاالإخلاص فى القول و العمل .
داء حب الظهور
نعم صار حب الظهور داءا مستوطنا بينا ، وليس المهم من يرفع الراية ، و لكن الأهم أن ترفع الراية ،ليس من الضرورى أن يقول فلان الحق بل المهم أن يقال الحق ليس مهما أن يقال على كتف فلان نهضت مصر، بل الأهم أن نبهر العالم بتبوأ مصر مكانتها السامية كعهدنا بها رائدة الحضارات، و ولادة العبقريات فى شتى المجالات  .متى كانت الأمم تبنى و تنهض بالكلام المزخرف و الحديث المنمق؟! بل على أكتاف المخلصين تشيد الحضارات ، طلب عمرو بن العاص المدد من عمر بن الخطاب فى فتح مصر فكتب إليه عمر : أما بعد فإنى أمددتتك بأربعة الآلاف رجل على كل ألف رجل منهم مقام الألف : الزبير بن العوام و المقداد بن عمرو و عبادة بن الصامت و مسلمة بن خالد.
للأسف هذا هو الزمان الذى ينطق فيه الرويبضة (التافه) و يتفلسف فيه من شاء أن يتعالم أو ينظر للأمة و يحدد لها مسارها ،الذى يجب من وجهة نظره أن تسير على دربه، و تتبع طريقته،و بعضهم  يصح أن يقال عنه (أبو شبر)قالوا قديما : العلم ثلاثة أشبار : من دخل فى الشبر الأول تكبر ومن دخل فى الشبر الثانى تواضع، ومن دخل فى الشبر الثالث علم أنه ما يعلم( أى أيقن بمدى ما كان فيه من ضحالة العلم) فإياك أن تكون أبا شبر.و قال الشافعى:
كلما أدبنى الدهر ***      أرانى ضعف عقلى 
و إذا ما ازددت علما ***  زادنى علما بجهلى
فما ذاق صاحبنا مرارة الكد فى طلب العلم وما  جلس صاحبنا عشرين أو ثلاثين عاما منكبا على كتب العلم أو السياسة حتى يصير من فلاسفة الأمة ، هذا الأديب توفيق الحكيم سأله أحد الناشئين : كيف أكون مثلك؟ فقال:إذاظللت تقرأثلاثين عاما فى كل يوم سبع ساعات أو ثمانى ساعات ، وهذا شهيد القرن الماضى سيد قطب لم يبدأ الكتابة إلا فى الأربعين رغم كونه أديبا نابها منذ صباه لأنه كان يراها سن النضج و تلافى أخطاء مرحلة الشباب،و هذا الإمام مالك يقول:ما أفتيت حتى شهد لى سبعون أنى أهل لذلك.
الكل يريد أن يظهر هو و أن يمجد هو أو حزبه هو دون الآخرين ،و إنما يكون الاختلاف محمودا إذا كان اختلاف تنوع ، يسعى فيه الكل لخدمة الوطن و الهوية الإسلامية دون انتظار للثناء أو التمجيدفهذا ينافى الإخلاص و يدخل فى باب الرياء و حب الشهرة فهم كما قال القائل:
لا يدفعون لأجل الخير خردلة  **   إلا إذا قيل قبل الدفع قد دفعوا
و إنما يجوز للمرء إظهار العمل الصالح  فى حالة كونه لايستطيع إخفاءه ، أو يكون إظهاره لذلك العمل من باب حض الآخرين و تشجيعهم ليصنعوا مثل صنيعه. قال بعض التابعين : صحبت أقواما فما رأيت  أحدهم يظهر عملا هو قادر على إخفائه. ، وقيل لبعض الصالحين : أى الأعمال أشق على النفس؟ قال: الإخلاص إذ ليس لها فيه نصيب.

وقَالَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ يَوْمًا لِقَوْمِهِ إنَّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ , لَيْسَ فِيَّ فَضْلٌ عَلَيْكُمْ , وَلَكِنِّي أَبْسُطُ لَكُمْ وَجْهِي ، وَأَبْذُلُ لَكُمْ مَالِي , وَأَقْضِي حُقُوقَكُمْ ، وَأَحُوطُ حَرِيمَكُمْ ، فَمَنْ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِي فَهُوَ مِثْلِي ، وَمَنْ زَادَ عَلَيَّ فَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَمَنْ زِدْت عَلَيْهِ فَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ .
قِيلَ لَهُ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ مَا يَدْعُوك إلَى هَذَا الْكَلامِ ؟ قَالَ أَحُضُّهُمْ عَلَى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ .
أين يا إخوان إخلاصكم لدينكم و لبلدكم الغالى ...حينما قتل بعض المسلمين شهداء فى قندهار سأل سينا عمر أصحابه : من القتلى؟ فذكروا له الأسماء ،فلان و فلان و أناس لاتعرفهم ، فدمعت عينا عمر و قال : و لكن الله يعلمهم.!!
و هذا  سيدنا عمر أيضايصور لنا صورة بعض أدعياء العلم و كل بضاعتهم هى تنميق الألفاظ : أخوف ما أخاف على هذه الأمة المنافق العليم  قالوا : و كيف يكون منافقا عليما؟! قال : عليم اللسان ، جاهل القلب.
و هذه الصورة نراها اليوم كثيرا فيمن يرون أنههم صفوة من أنجبت مصر،و خلاصة عباقرة الأمة ممن يسمون أنفسهم أهل الليبرالية و العلمانية و اليسارية - دون أن نسمى أحدا-وكلها مسميات براقة مستوردة دخيلة على موروثات الأمة المسلمة التى علمت العالم معنى الحضارة، لكنه اللهاث وراء كل مستورد، على الرغم من أن الله تعالى أكرمنا بأكرم  حكم  و أتقن  تشريع(ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)  يقول الأستاذ أنور الجندى:أعظم معطيات الإسلام : الحكومة المدنية فلا يعترف الإسلام بما يسمى الحكومة الثيوقراطية التى عرفتهاأوربا فى العصور الوسطى ، وليس للإسلام رجال دين و لكن علماء دين يوجهون و ينصحون دون أن يتولوا مناصب الحكم كما رفض الإسلام الدولة العلمانية الوضعية و النموذج الثقافى الغربى باعتباره لا يعبر عن قيم الأمة الإ سلامية .و ملحوظة بسيطة على غالبية المتكلمين من المصريين-إلا من رحم الله-أنهم يخطئون كثيرا فى تشكيل اللغة العربية،و هذا عيب كبير و عار أى عار على مصر، منجبة العقاد و المازنى و الرافعى -هذا إن كان شبابنا قد قرأ لهؤلاء الأفذاذ أو حتى حفظ أسماءهم- فمن الذى أعطى هؤلاء الحق فى أن يتكلموا باسم الكل ،مدعين أن الأغلبية الصامتة التى خدعوها باسم  العودة لشرع الله  لاتدرك أين تكون مصلحتها فهم فقط أهل الحل والعقد.!!
يقولون هذا عندنا غير جائز *** ومن أنتم حتى يكون لكم عند
هذا السيد نجيب ساويرس فى حديثه لقناة كندية يسخر من الشريعة و ممن ينادون بها-و ما يقوله لنا بالعربية غير ما يقوله للغرب بالإنجليزية-و ما كنت أحب أن أفرق بين أبناء الوطن الواحد ولكن (مكره أخوك لا بطل).
كان أحد أعضاء مجلس نقابة المحامين قد تقدم ببلاغ للنائب العام اتهم فيه ساويرس بازدراء الشريعة الإسلامية فى حديث لقناة كندية و إثارته للنعرات الطائفية بقوله : ماذا سيفعل النصارى المساكين إنهم ليسوا أقلية صغيرة فعددهم 12 مليونا إلى أين سيخرجون؟ حتى كنا لا تستوعب 12 مليون مصرى ثم خيل له تفكيره أن يتحدى هؤلاء المطالبين بالشرع قائلا إنه سيخرج للشارع هو و ابنه و مجموعة من أصدقائه سكارى، ثم ادعى على الإخوان أنهم يتلقون مالا من قطر و وصل به التمادى فى غيه أن طلب تدخل الغرب  قائلا : لا تتركونا ضحايا فى معركة غير عادلة.
 و لو أنصف لقال فى حق الإسلام و المسلمين كلمة حق مثلما قال البابا شنودة
 فى حديث له فى السبعينات أمام الرئيس السادات مشيدا بسماحة الإسلام و المسلمين، قال: أريد أن أذكر أن الإسلام  فى جوهره و فى روحه و فى أساسه يعامل غير المسلمين معاملة طيبة ، نذكر من هذا الميثاق الذى أعطى لنصارى نجران ، و الميثاق الذى أعطى لقبيلة تغلب و الوصية التى قدمها الخليفة الإمام عمر بن الخطاب قبل موته ووصية الخليفة أبى بكر الصديق لأسامة بن زيد ، والميثاق الذى أعطاه خالد بن الوليد لأهل دمشق ، و الميثاق الذى أعطاه  عمرو بن العاص لأقباط مصر.. إلى أن قال و أذكرأن عمرو بن العاص عندما أتى إلى مصر كان بطريرك مصر البابا بنيامين مختفيا فى أرجاء مصر من إخوته المسيحيين المختلفين عنه فى الإيمان ثلاثة عشر عاما، لم يجلس فيها على كرسيه، فلما أتى عمرو أمنه على نفسه و على كنائسه و الكنائس التى أخذها منه الروم و أرجعها إليه عمرو بن العاص، بل ساعده أيضا فى بناء كنيسة الإسكندرية.
 كلى ثقة أن مصر ولادة العباقرة ، معلمة الدنيا قادرة بإذن الله تعالى على تخطى هذه الفترة العصيبة من تاريخها،لتعود من جديد لمكانتها السامقة ، شريطة أن ننسى ما دب فينا من خلافات و نزاعات، مسلمين و أقباط، جاعلين من خدمة هذه الأمة وخدمة دينها و هويتها  و موروثاتها هو هدفنا الأسمى ،لتسمو بإخلاصنا وتوحدنا بلدنا الآمنة المباركة. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك و يذل فيه أهل معصيتك ، و يعم فيه شرعك الحكيم.





:....

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصيده شباب الاسلام

إني تذكرت والذكرى مؤرقةٌ ..للشاعر الكبير : محمود غنيم

التدخين رحلة إلى الهلاك